دليل العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التعليم المسجدي لدي المسلمين الصينيين

اذهب الى الأسفل

التعليم المسجدي لدي المسلمين الصينيين Empty التعليم المسجدي لدي المسلمين الصينيين

مُساهمة من طرف Admin الإثنين فبراير 28, 2011 11:11 pm



خرج التعليم الاسلامي الصيني الى حيز الوجود ، منذ أن دخل الاسلام الى الصين عام 651م، ومنذ أن وُجد المسلمون فى الصين . و كان المسلمون الصينيون حيثما يقطنون، ينشئون المساجد التي يؤدون فيها مختلف الشعائرالدينية، ويتعلمون فيها قراءة وفهم القرآن الكريم بالعربية. وقد ظل المسجد المكان الذي يتلقي فيه المسلمون الصينيون التعليم الاسلامي ، كما هو الحال فى البلاد العربية والاسلامية فجر الاسلام ، رغم أنه لم ترد الينا معلومات وافرة تصف لنا أوضاع التعليم الإسلامي المبكر الذي كان يجري داخل المسجد فى الصين .

وتدل الوثائق التاريخية على أنه قبل أن يظهر " التعليم المسجدي " بصورة رسمية فى عصر " مينغ "( 1368--1644 م ) ، كان التعليم الاسلامي الصيني يتخذ شكل التعليم المنزلي.فقد اعتاد المسلم أن يعلم أطفاله ومَن أسلم حديثا من أهله اللغة العربية شفاها فى منزله ، ويقرئهم القرآن ،كما يلقّنهم شفاها المعارف الاساسية فى علوم الاسلام و الشريعة والفقه، ويقودهم فى أداء الفرائض الدينية.وكان التعليم الاسلامي يجري على شكل آخر أيضا ، هو أن يلقن الأئمة والفقهاء الوافدون من بلاد الفرس المسلمين الصينيين القرآن والعلوم الاسلامية فى المساجد ،ويقرئونهم القرآن بالعربية ويعلمونهم اللغتين الفارسية والعربية اللتين ظلتا لغتي تخاطب لدي المسلمين الصينيين حتي أواخر عصر " يوان" (1206—1368م ) وقد أنشأ هؤلاء الأئمة والفقهاءالفرس كثيرا من "بيوت المسلمين " كمركز التعليم الاسلامي ومكان لأداء الشعائر الدينية الاسلامية فى أنحاء الصين . إذ قد تقاطر الى بلاد الصين فى ذلك الوقت عدد كبير من الأئمةو الفقهاء الفرس تلبية لدعوة ودية توجه اليهم المساجد الصينية التي كانت تفتقر الى من يرعي شؤونها من الأئمة القادرين .

ظهرت بوادر التعليم المسجدي الصيني اول ما ظهرت فى عصر" سونغ "(960—1279م) وعصر " يوان " ،ثم تشكل التعليم المسجدي فى صورته المعروفة فى عصر " يوان "و عصر " مينغ " ،ويمكن القول كذلك بأن التعليم المسجدي الصيني قد ُوجد منذ أن وُجد المسجد فى الصين ، فقد كانت تنشأ بداخل المساجد الصينية قاعات للدرس تشبه الى حد كبير حلقات الدراسة فى مساجد الدول العربية والاسلامية . وكان الطلبة المسلمون الصينيون يتعلمون فى قاعات الدرس بالمساجد على يد الأئمة والعلماء الذين يشتغلون في نفس المساجد ، وكان بعض هؤلاء الطلبة الصينيين يسافرون أيضا الى بلاد آسيا الوسطي والهند لدراسة علوم الاسلام . وكانت اللغة الفارسية هي اللغة التي تستخدم فى عملية الدراسة والتدريس التي تجري فى قاعة الدرس بالمسجد ، و كان الطلبة يتعلمون اللغة العربية بواسطة اللغة الفارسية .
وقد ظهر التعليم المسجدي الصيني بمعناه الصحيح فى القرن 16م أي فى عصر " مينغ " العصر الذي تمت فيه عملية التصين وعملية تعميم اللغة الصينية لدي المسلمين الصينيين بشكل أساسي ،وقتها أخذ المسلمون الصينيون يتخاطبون باللغة الصينية فى حياتهم اليومية بعد أن كانوا يتخاطبون بالعربية او الفارسية كلغتهم الأم ، فلم يعد أغلبيتهم يقدرون على فهم واستعمال اللغة العربية واللغة الفارسية قراءة وكتابة ، كما ضعفت قدرتهم على فهم وقراءة القرآن الكريم والحديث النبوي بالعربية ، حتي صاروا لا يفهمون معاني القرآن إلا من خلال شرحها باللغة الصينية التي هي لغة " الهان " والتي يتخاطب بها أغلبية المواطنين الصينيين ، كما قد شعر الكثير من مشاهير علماء الاسلام الصينيين بضعف العقيدة الاسلامية لدي المسلمين الصينيين منذ اواخر عصر " مينغ " واوائل عصر " تشيغ "نتيجة تفرقهم فى الاقامة فى تجمعات متبعثرة ومختلطة بالصينيين من قومية "الهان " غير المسلمة الذين يشكلون غالبية سكان الصين ، إضافة الى نقص المساجد الصينية من الأئمة نتيجة تزايد عدد المساجد بشكل كبير فى عصر " مينغ " . هذا من ناحية ، ومن ناحية اخري ، لم يعد التعليم الاسلامي المنزلي يقدر على الاستمرار نظرا لعدم وجود الكتب الدينية الاسلامية المترجمة بالصينية آنذاك ، الأمر الذي أثار قلقا شديدا لدي بعض مشاهير علماء الاسلام الصينيين ،ومن هؤلاء الشيخ محمد عبد الله الياس " هو دنغ تشو". فبادر هذا العالم المسلم الصيني المشهور ( 1522 -- 1597م) الذي كان من أبناء مقاطعة شنشي ، الى ابتكار طريقة جديدة فى تعليم اللغة العربية والعلوم الاسلامية فى الصين ، وهي ما يسمي "بالتعليم المسجدي " . درس " هو دنغ تشو " علوم الاسلام باللغة العربية واللغة الفارسية ،فتبحر فيها ، وسافر الى بعض البلاد الاسلامية ، فوقف على أوضاع الثقافة والتعليم فى تلك البلاد . وحينما رجع الى الصين ، عاين بأم عينيه النقص الكبير فى الأئمة الصينيين الأكفاء و حاجة المسلمين الصينيين الماسة الى دراسة اللغة العربية والعلوم الاسلامية ، فعقد العزم على مزاولة التعليم الاسلامي بشخصه وهو قد جاوز الخمسين من العمر ،فقبل فى اول الامر قرابة مائة طالب مسلم شاب ، واخذ يعلمهم العربية وعلوم الاسلام فى منزله. وكان ينفق عليهم من نفقاته الخاصة .وهو قد فعل ذلك اتباعا لطريقة الكتاتيب الصينية التقليدية ، إذ كان معلم الكتّاب الصيني التقليدي يقبل الطلبة ويعلمهم فى منزله . وبعد فترة من الوقت شعر" هو دنغ تشو " بعدم قدرته على قبول عدد أكبر من الطلبة فى منزله ، فبادر الى إقامة مدرسة داخل المسجد ، وقد سميت تلك المدرسة " بالمدرسة المسجدية " لوقوعها بداخل المسجد . وهكذا ، بدأ ما يسمي " بالتعليم المسجدي " بشكل رسمي فى الصين . وكان مما وفر الظروف المؤاتية لظهور التعليم المسجدي فى الصين، هو أن المسلمين الصينيين قد حققوا الاكتفاء الذاتي فى حياتهم الاقتصادية بعد أن أتخذوا الزراعة كوسيلة انتاج رئيسية والتجارة والرعي كأشكال انتاج ثانوية فى عصر" مينغ " .

وقد بدأ التعليم المسجدي أول ما بدأ فى مقاطعة شنشي (شمال غربي الصين ) ، ولم يكن ذلك من باب المصادفة ، فقد ظلت مقاطعة شنشي المركز السياسي والاقتصادي والثقافي فى الصين .و كانت مدينة شيآن بداية " طريق الحرير البري " ،كما ظلت هي العاصمة الصينية خلال سنوات حكم 14 أسرة ملكية،وتعد مقاطعة شنشي أول منطقة دخل اليها الاسلام فى الصين ، وإحدي المناطق الرئيسية التي يتجمع فيها المسلمون ، حيث كان ثلاثة أعشار سكان هذه المقاطعة من المسلمين ، وكانت بها قرابة 800 مسجد . وقد شهدت مقاطعة شنشي تطورا جياشا فى الاقتصاد القومي لدي المسلمين فى عصر " مينغ ". وكان المسلمون فى هذه المقاطعة يتمتعون بقدرات مالية عالية . وكان الشيخ " هو دنغ تشو " مؤسس التعليم المسجدي الصيني أغني مسلم فى بلده . وسرعان ما انتشرت المدرسة المسجدية فى المناطق التي يتواجد فيها المسلمون ، إذ أنشأ الكثير من مشاهير المسلمين الصينيين مدارس شبيهة كثيرة فى مقاطعات شاندونغ وجيانغشو وتشجيانغ وهونان وقوانغدونغ ويونان وقوانغشي وغيرها من المناطق الصينية الواسعة .

وسارت المدرسة المسجدية فى أول أمرها على نهج الكتاّب الصيني التقليدي ، تقبل تلاميذها وتدرسهم دون أن تقسمهم فى مراحل دراسية مختلفة . وكان المسجد يستدعي إماما ، ويكلفه بمهمة تدريس وشرح الكتب الدينية الاسلامية والفقه والشريعة لتلاميذ المدرسة المسجدية ، كما يكلفه بمهمة نشر وتعميم المعارف الاسلامية لعامة المسلمين وإعداد الأئمة الجدد .
ثم تطور التعليم المسجدي الصيني ، وصار يشتمل على مرحلتين إثنتين : ابتدائية وعالية أي المدرسة الابتدائية والمدرسة العليا . كانت المدرسة المسجدية الابتدائية أكثر انتشارا لكونها الجهاز الأساسي للتعليم شبه الإلزامي لدي المسلمين الصينيين فى حقيقة الأمر . فقد تعود المسلمون الصينيون أن يرسلوا أطفالهم فى سن الدراسة الى المدرسة المسجدية الابتدائية التي تكون قريبة من منازلهم عادة.وكان ذلك واجبا ومسؤولية دينية على عنق الوالدين . وتقبل المدرسة الابتدائية التلاميذ فى سن صغيرة تتراوح بين 8—9 أو10 وما فوق ، فيتعلمون فيها نطق أصوات اللغة العربية وكتابة الحروف العربية وقول " الشهادة " وقراءة " الدعاء "وبعض الآيات القرآنية . كما يتعلمون فيها طريقة التوضؤ وطريقة أداء الصلاة و الصيام وكذلك المعارف الاسلامية الاساسية . و كان المعلمون يلقنون التلاميذ الأطفال كل شيء تلقينا شفويا دون أن يوزعوا عليهم أية كتب أو ملازم كتابية، و تعتمد دراستهم أساسا على طريقة الاستظهار البحت .و يحق لكل طفل فى سن الدراسة أن يلتحق بالمدرسة المسجدية الابتدائية ،كما يحق له أن ينصرف عنها وقتما يشاء، ولم تكن مدة الدراسة فى المدرسة المسجدية الابتدائية محددة ،إذ تستمر الدراسة فيها 3 أو4 سنوات . و كان هذا التعليم المسجدي الابتدائي يعدّ فى نظر المسلمين الصينيين تعليما دينيا إلزاميا يشمل كل طفل مسلم في سن الدراسة . فقد ظلت المدرسة المسجدية المكان الذي يتلقي فيه الطفل المسلم الصيني تعليمه الأولي .وقد لعبت المدرسة المسجدية الابتدائية دورا عظيما فى تطور وتوارث الاسلام فى الصين بما أسمهت فيه من تعميم ونشر الثقافة الاسلامية وتعزيز العقيدة الاسلامية لدي جمهور المسلمين الصينيين .

أما المدرسة المسجدية العليا، فتقام بداخل المساجد الكبيرة أو المتوسطة، يدخل اليها التلاميذ الذين نجحوا فى الدراسة بالمدرسة المسجدية الابتدائية، ويرغبون فى أكمال دراستهم.وقد جرت العادة أن يكون الإمام المشرف على المسجد هو المعلم المسؤول عن تدريس طلبة المدرسة المسجدية العليا فى مسجده ،أو يستدعي هو بدوره المعلم الذي يباشر عملية التدريس فى مسجده ،إن لم يتمكن هو من مباشرة عمل التدريس بنفسه . وكان الطلبة يتتلمذون علي يد معلم واحد عادة ،بيد أنه يحق لهم أن يتتلمذواعلى يد أي معلم يعجبه فى اي مسجد من المساجد فى الصين .كما لم تكن مدة الدراسة فى المدرسة المسجدية العليا محددة ، فقد تستمر الدراسة فيها 6-7أعوام أو اكثر من 10 أعوام. ولم يكن هنالك نظام امتحان يتبع في المدرسة المسجدية العليا ، كما يتفاوت عدد الطلبة فى المدرسة المسجدية العليا وفقا لحجم المسجد وقدرته المالية .

ويطلق على المعلم الذي يباشرعمل التدريس فى المدرسة المسجدية العليا اسم " الإمام المعلم " ، وقد اعتاد المسلمون الصينيون أن يختاروا الإمام المعلم وفقا لشروط صارمة ، فقد اشترطوا فيه أن يكون عالما يتبحر في العلوم الدينية الاسلامية ، وإنسانا يتحلي بالشمائل الجميلة و الاخلاق الحميدة .ويتعين على الإمام المعلم أن يباشر تدريس الطلبة ، كما يتعين عليه أن يؤم الصلاة ويشرف على الشعائر الدينية ويشرح "الوعظ " ويلقي " الخطب " لعامة المسلمين ، ويبث فيهم المعارف الاسلامية أيضا. فقد ظل الإمام المعلم موضع احترام وتقدير لجميع المسلمين ، فإذا أختيرعالم مسلم ليكون الإمام المعلم فى مسجد معين ، أقاموا له حفل تكريم كبيرا ومهيبا إكراما له ،ويسمي هذا الحفل " حفل استدعاء المعلم " . ويهتم المسلمون الصينيون كثيرا بأن ينمو طلبة المدرسة المسجدية العليا نموا شاملا ، فلا يتعلمون العلوم الدينية فحسب ، بل يهذبون أنفسهم تهذيبا أخلاقيا وسلوكيا ، وينطبعون على الصفات الفاضلة مثل حب الناس وحب الوطن، إذ تهدف المدرسة المسجدية العليا الى إعداد أئمة أكفاء قادرين على رعاية شؤون المسلمين وإدارة أمورالمساجد .

ويسمي الطالب الذي يدرس فى المدرسة المسجدية العليا " الخليفة " ، أو" الملا" .وكان مما يحفز الشباب المسلمين على إكمال الدراسة فى المدرسة المسجيدة العليا ، هو أن الطلاب الذين ينحدرون من الأسر الفقيرة ، يمكنهم أن يدرسوا ويعيشوا على تموينات المسجد ، إذا درسوا فى مسجد بلد آخر تاركين أهلهم فى مسقط رأسهم ، أما إذا بقوا يدرسون فى بلدهم ، فلم يجدوا اي معونة مالية. وكان الطلبة الفقراء يخففون بذلك العبء المالي عن أسرهم من جهة ، ويخلصون أنفسهم من مزاولة الأعمال لحساب أسرهم من جهة أخري . أما جميع اللوازم الدراسية التي يحتاج اليها الطلبة، فقد كان يتم الحصول عليها عن طريق التبرع . وكان جماهير المسلمين ، يتحملون إما نفقات الطعام وإما إعداد وتقديم الطعام للطلبة خلال فترة دراستهم .

أما نفقات المعيشة التي يعيش عليها الإمام المعلم ، فقد ظل كل مسجد يوفرها له ، إما من أوقاف المسجد ، وإما من زكاة وصدقة جمهور المسلمين ، إذ قد خلت الصين حتي الآن من صندوق الأوقاف الاسلامية الموحدة ،و ذلك بحكم استقلال كل مسجد صيني عن الآخر و عدم وجود اية علاقة انتمائية بين المساجد فى الصين .

أما المواد الدراسية التي تدرس فى المدرسة المسجدية العليا ، فهي عبارة عن الكتب اللغوية و الدينية والفلسفية وهي 13 كتابا من الكتب المقررة التي كانت تدرس فى البلدان الاسلامية ، وهذه الكتب هي : 1-- " أساس العلوم" تأليف محمد يحيا الباكستاني ، 2--" ضوء المصباح " تأليف فتح نصر الدين الفارسي ،3--" شرح الكافية " تأليف ابن حاجب المصري / " الفوائد الضيائية لملاعصام الدين ، 4-- كتاب"البيان" تأليف سعيد الدين التفتازاني خراساني الأصل ، 5-- "عقائد الإسلام "تأليف عمر النسفي ، 6--" شرح الوقاية" تأليف محمود صدر عبيد الله ،7--"الخطب" وهو تفسير الحديث النبوي باللغةالفارسية والنص الأصلي لهذا الكتاب مكتوب بالعربية ، 8--" كتاب الأربعين" وهو عبارة عن 40 قطعة من الحديث النبوي مكتوب باللغة الفارسية ، 9-- "المرصاد" تأليف عبد الله أبي بكرالفارسي ، وهو كتاب فلسفي مكتوب بالفارسية ، 10-" أشعة اللمعات" وهو كتاب الفلسفة الاسلامية شرح عبد الرحمن جامي وهو فيلسوف فارسي الأصل ،11- "هواء المنهاج" تأليف العالم الصيني "تشانغ زي ماي"( 1619—1670 م) وهو كتاب فى قواعد النحو الفارسي ،وقد نشر هذا الكتاب النحوي فى اصفهان بإيران عام1981 م ، 12-- كتاب " كلستان "/ " بستان الحقائق " تأليف الشاعر الفارسي سعد ، وهو كتاب فى الشعر والأدب الفارسي، 13-- القرآن الكريم . وهذه الكتب إما مكتوبة بالعربية وإما مكتوبة بالفارسية ، وكانت تدرس باللغتين العربية والفارسية. وكان الطلبة ينسخون الكتب بأيديهم ، إذ كانت المواد التعليمية المستخدمة لديهم عبارة عن مخطوطات قبل أن ترد الى الصين الكتب الاسلامية المطبوعة، علما بأن فن الطباعة قد تأخر ظهوره فى البلاد الإسلامية ،فلم تظهرفى تركيا مثلا مطبعة إلا فى عام 1882م .


ويتعلم الطلبة فى المدرسة المسجدية العليا قواعد النحو والصرف وعلم البيان للعربية والفارسية وعقائد الاسلام والشريعة والفقه والقرآن الكريم و تفسير القرآن والحديث النبوي والخطب ، يتعلمونها بالعربية الى جانب الفارسية ، ولم تكن هنالك مواقيت محددة صارمة للتدريس، فقد تعود الإمام المعلم أن يلقي الدرس على طلبته بعد وقت وجيز من صلاة الفجر عادة ، ثم يلقنونهم نفس الدرس مرة أخري بعد صلاة الظهر ، و ينبغي على الطلبة أن يسردوا ما فهمواه من الدروس على مسمع المعلم بعد صلاة العصر ، و ذلك يسمي " ترديد الدروس " .و يستذكر الطلبة الدروس أو يطالعون الكتب المختلفة بعد أوقات الدرس. و تسود المدرسة المسجدية العليا روح أكاديمية جادة حيث يتناقش ويتشاورالمعلم والطلبة فيما بينهم ، بل يتجادلون فيما يدرسون من علوم ومعارف ، ويتساعدون ويتعلم من بعضهم البعض.

ولم تكن المدرسة المسجدية العليا تلتزم بأي منهج تعليمي محدد ، إذ يحاضر كل معلم فى اختصاصه فقط،أو فيما هو يبرع فيه من علوم الإسلام. وقد جرت العادة أن تستخدم ثلاث لغات أثناء التعليم المسجدي هي : 1--اللغة العربية 2-- لغة " جينغ تانغ يوي"3-- لغة " شياو آر جينغ "، و كان ذلك بحكم ضعف مستوي الطلبة المسلمين الصينيين فى اللغة الصينية .أما لغة" جينغ تانغ يوي" أي " اللغة المسجدية " ، فهي فى حقيقة الأمر أسلوب تعبيري مبتكر للغة الصينية ، فقد تعودالإمام المعلم أن يعلم الطلبة بها ، وهذه اللغة المسجدية خليط من الصينية والعربية والفارسية وهي عبارة عن ترجمات صينية دلالية او صوتية لمعاني ونصوص اللغة العربيةاو الفارسية ، إلا أنه لا يفهم هذه اللغة المبتكرة غير المعلم وهؤلاء الطلبة . فهم يشرحون كل شيء بهذه اللغة الخليطة .ويتفاهمون بها حول المواد أوكتب العلوم الدينية التي يدرسونها أو يبحثون فيها . وأما لغة "شياوأرجينغ " ،فقد إبتكرها المسلمون الصينيون. وهي عبارة عن لغة التهجي ، إذ قام المسلمون الصينيون بتهجية وكتابة اللغة الصينية باستخدام الحروف الهجائية العربية والفارسية معا. وسموا هذه اللغة المتميزة بلغة "شياوأرجينغ " أو كتابات " شياو أر جينغ " . وأخذوا يستخدمونها فى قاعة الدرس داخل المسجد. كما قد اتخذ الكثير من المسلمين الصينيين لغة " شياوأرجينغ " كلغة كتابة فى حياتهم اليومية لتسجيل حساب أوتدوين أمر من الأمور الحياتية أوكتابة رسائل او يوميات ، ذلك لأن عددا غير قليل من المسلمين الصينيين لم يتمكنوا من استيعاب اللغة الصينية المكتوبة ، بل كانوا يستطيعون فقط أن يتخاطبوا بالصينية شفاها ، ولايعرفون القراءة والكتابة باللغة الصينية ، بيد أنهم تعلموا الحروف العربية او الفارسية منذ صغرهم ، فأخذوا يهجئون اللغة الصينية ويكتبونها بالحروف العربية او الفارسية . وكان ذلك أسهل لهم من أن يتعلموا اللغة الصينية المكتوبة ،أو أن يكتبوا الكلمات الصينية . وهكذا نجد أن ظهور لغة " شياوأرجين"، قد ساعد المسلمين الصينيين كثيرا على تذليل بعض الصعوبات اللغوية التي يواجهونها فى حياتهم اليومية .

ولم تحدد المدرسة المسجدية العليا سنوات الدراسة تحديدا واضحا ،كما لم يكن هناك مواقيت محددة للتخرج ، فإذا رأي أي معلم أحد طلابه قد نحج فى الدراسة نجاحا يؤهله للتخرج ونيل شهادة التخرج ، أقام لهذا الطالب حفل تخريج حيث يمنح المعلم هذا الخريج جبّة خضراء من الحرير ،كزي الشرف له ، كما يمنحه بيرقا حريريا كشهادة دبلوم له . ومن إذا أُقيم له مثل هذا الحفل ، صار مؤهلا للامامة فى المسجد . ويتفاوت الطلبة فى نتائج دراستهم ، فيتوقف بعض الطلبةعن الدراسة ، فينصرفون ، بينما يظل البعض الآخر منهم يدرسون سنوات وسنوات ، دون أن يحالفهم الحظ فى نيل النجاح فى الدراسة ،ويطلق علي هؤلاء الطلبة " الملاوات التافهون " .

وقد توخّي الحاج " هو دنغ تشو " من ابتكار التعليم المسجدي غاية سامية هي إعداد أئمة أكفاء يستطيعون تلاوة القرآن وشرح الحديث النبوي و الوعظ والخطب وعلوم الاسلام باللغة العربية، ويقدرون على إدارة أمور المسجد ورعاية شؤون المسلمين . وقد نجح فى ذلك هو وغيره من القائمين بأعمال التعليم المسجدي نجاحا باهرا ، إذ تخرج عن طريق التعليم المسجدي عدد كبيرمن أصحاب الكفاءات الذين ينشطون فى حقل النشاط الديني الاسلامي وحقل النشاط التربوي الاسلامي فى الصين . وظهر عدد كبير أيضا من الأئمة القادرين وكذلك الفقهاء الكبار الذين يتقنون اللغة العربية واللغة الفارسية . ويستوعبون الكتب الاسلامية العربية والفارسية . اضافة الى ذلك ، فقد حقق التعليم المسجدي هدفا آخر هو تعليم المسلمين الصينيين اللغة العربية و اللغة الفارسية ، واللغة العربية على وجه الخصوص . فاستمرت عملية دراسة وتدريس اللغة العربية لدي المسلمين فى الصين عبر العصور،الأمر الذي ساعدهم على دراسة وفهم وتلاوة القرآن الكريم بالعربية مساعدة عظيمة .


واصل التعليم المسجدي الصيني تطوره فى القرن 17م، وتماشيا مع هذا التطور ظهرت فى الصين خلال هذا القرن حركة ترجمة وتأليف الكتب فى علوم الاسلام الدينية باللغة الصينية. وقد استمرت حركة الترجمة والتأليف هذه 200 عام ، ظهر خلالها الكثير من علماء الاسلام الصينيين المشاهير، كما ظهر العديد من الكتب الاسلامية المترجمة او المؤلفة باللغة الصينية التي ظلت تترك بصماتها الواضحة فى نفوس المسلمين الصينيين ، و كانت تلك الكتب تستعمل كمواد دراسية او مسودة محاضرة أو مؤلف خاص فى علم من علوم الاسلام للطبلة الذين يدرسون في المدرسة المسجدية العليا ،وقد نشط علماء الاسلام الصينيون فى حركة الترجمة والتأليف نشاطا عظيما ، فقد قام مشاهير علماء الاسلام الصينيين بترجمة وتأليف كتب كثيرة فى شتي علوم الاسلام.

وترمي حركة الترجمة والتأليف هذه الى تحقيق هدف آخر هو تمكين الصينيين الهانيين غير المسلمين من الوقوف على صورة حقيقية وصائبة عن دين الاسلام والمسلمين . و قد ازدهرت هذه الحركة مرةأخري فى أواخر عصر "تشينغ " ،فلم تعد تقتصر الكتب المترجمة والمؤلفة بالصينية على الكتب اللدينية فحسب ، بل شملت الكتب فى الفلك والجغرافيا وغيرها من العلوم الطبيعية ،كما بدأ مشاهير علماء الاسلام الصينيون محاولة نقل وشرح معاني القرآن الكريم باللغة الصينية ، وقد قام الشيخ" ما ده شينغ " بترجمة 40 كتابا وحده ، وكان كتاب " الشرح المباشر فى الدين الحنيف “ هوعبارة عن اول ترجمة صينية لمعاني القرآن الكريم .

وبلغ التعليم المسجدي الصيني ذروة ازدهاره فى عصر " تشينغ " (1616—1911م ) ، وقد شهد التعليم المسجدي الصيني فى عصر " تشينغ " تغيرا كبيرا ، هو أنه بدأ يولي اهتماما كبيرا لتدريس اللغة الصينية و الكتب الصينية المقدسة بعد أن غفل عن تدريس الصينية واستيعاب الكتب الصينية المقدسة فى الماضي .

وقد تبلورت طوائف تعليمية مختلفة فى التعليم المسجدي فى مناطق مختلفة فى الصين نتيجة اختلاف البيئات الجغرافية والاقتصادية والثقافية والتاريخية ، وكذلك بسبب التفاوت فى تفضيل أنواع الكتب الدينية و مدي الاهتمام باللغات الثلاث الصينية والعربية والفارسية. إذ تدعو طائفة مقاطعة شنشي( منشأ التعليم المسجدي فى الصين ) بزعامة الشيخ " هو دنغ تشو " مؤسس التعليم المسجدي الصيني الى الاهتمام بتدريس اللغة العربية، والتركيز على دراسة علم التوحيد وعلم الكلام والفقه لمذهب ابي حنيفه ،كما تدعو الى " سبر أغوار علوم الاسلام " .

بينما تدعو طائفة مقاطعة شاندونغ بزعامة "تشانغ تشي مي " و " لي يان لين " الى تدريس اللغتين العربية والفارسية ،واستيعاب الكتب الدينية الاسلامية العربية والفارسية معا ، وكذلك الجمع بين علم التوحيد والفسلفة الصوفية ، وتدريس علم الكلام والفقه باللغتين العربية والفارسية، و تلتزم هذه الطائفة بالنظام والاسلوب التعليمي الصارمين و بمبدأ " التدرج " فى عملية التدريس .وقد برعت هذه الطائفة فى تفسيروشرح القرآن والكتب الدينية الفارسية ، كما قد تأثرت هذه الطائفة كثيرا بالنزعة الصوفية فى شرح الآيات القرآنية ،وهي تدعو الى " الاطلاع الواسع والاستيعاب الشامل لعلوم دين الاسلام ".

وتهتم طائفة مقاطعة يوننان بزعامة " ما تشو شين " بتدريس اللغات الثلاث العربية والفارسية والصينية ، وتعكف على شرح الكثير من اللكتب الاسلامية العربية والفارسية . وقد ظهرت هنالك كذلك طائفة " جنوبي الصين" وطوائف أخري .


وعندما حل العصر الحديث ،واجه المسلمون الصينيون نوعين من التعليم : 1—التعليم العام الذي يتم بواسطة اللغة الصينية والذي يتلقاه المواطن الصيني العادي فى المدرسة العادية ، 2—التعليم الديني الاسلامي ، وبدأ بعض الآباء المسلمين يلحقون ابناءهم بالمدرسة العادية ، بينما يظل بعضهم الآخر يفضلون التعليم الديني الاسلامي لأطفالهم ، فيدخلون اطفالهم الى المدرسة المسجدية التقليدية او المدرسة الحديثة ، إذ قد أنشأ الكثير من التربويين المسلمين الصينيين المحدثين مدارس حديثة رغبة منهم فى الارتقاء بمستوي التعليم لدي المسلمين ، وهذه المدارس الحديثة خاصة لأبناء المسلمين، وهي تسير على النهج التربوي والتعليمي الحديث ، تدرس فيها شتي العلوم الطبيعية و الاجتماعية الى جانب العلوم الاسلامية ، و لا تهدف هذه المدارس الى تخريج وإعداد الأئمة الجدد ، بل هي تعمل على إعداد رجال أكفاء مؤهلين لخدمة المجتمع الصيني .ولا تختلف هذه المدارس عن المدارس الصينية الأخري إلا فى شيئين إثنين : أولهما أنها تقوم بتعليم وتعميم الثقافة الدينية الاسلامية ، وثانيهما أنها تقوم بتدريس اللغة العربية فيها . وقبيل ثورة "شينغ هاي" عام 1911م ، أخذت المدارس الحديثة من هذا النوع تنشأ في كل مكان يتواجد فيه المسلمون فى الصين بشكل سريع ، مثلما تنمو براعم البامبو فى فصل الربيع نموا سريعا ، ، بيد أن المدارس المسجدية التقليدية ظلت تقبل و تدرس طلبتها فى المساجد الصينية باستمرار .

ومنذ أن تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949م ، بدأت الحكومة الصينية تنتهج سياسة حرية العقائد الدينية، مما جعل المدارس المسجدية التقليدية الصينية تحافظ على حيويتها ونشاطها باستمرار . وبعد أن بدأت الصين تطبق سياسة الاصلاح والانفتاح منذ عام 1978م ، استفاد المسلمون الصينيون من هذه السياسة الحكيمة أيما استفادة ، وأظهروا مهارتهم فى مزاولة التجارة ،الأمر الذي حسن وضعهم الاقتصادي والمالي ورفع مستواهم المعيشي .فازداد عدد الطلبة الذين يتعلمون فى المدارس المسجدية التقليدية بداخل المساجد الصينية ، وظلت المساجد الصينية تباشر التعليم المسجدي التقليدي، بينما تنشأ وتزداد المدارس الحديثة فى أرجاء الصين . وتثبت بعض المعلومات التي بين أيدينا أنه يدرس الآن حوالي 100طالب فى المسجد الكبير ،و عشرات من الطلبة فى المسجد المتوسط ، أما المسجد الصغير، فيدرس فيها عشرة طلاب تقريبا . ويُعتقد أن عدد الطلبة المسلمين الشباب الذين يتلقون التعليم المسجدي التقليدي فى مختلف المساجد الصينية يبلغ الآن حوالي 20 أو 30 ألف طالب . كما قد بدأت بعض المدارس المسجدية فى الصين تقبل الطالبات بعد أن كانت تقفل أبوابها أمام الطالبات .

إضافة الى كل ما سبق ، قد أنشئ حتي الآن 10معاهد للعلوم الاسلامية فى الصين منذعام1949،منها المعهد الاسلامي الصيني الذي تأسس عام 1955م تحت رعاية الزعيم الصيني الراحل ماوتستونغ، وتشرف على هذه المعاهد مختلف الجمعيات الاسلامية فى الصين ،و تعمل كل هذه المعاهد على تحقيق هدفين إثنين ،أولا: إعداد أئمة أكفاء جدد لخدمة المسلمين والمساجد الصينية ،ثانيا: تخريج أصحاب الكفاءات الذين يتقنون اللغة العربية ويلمون بالثقافة الاسلامية لخدمة المجتمع الصيني فى مختلف المهن والأعمال .

ويسير التعليم الاسلامي فى الصين فى الوقت الحالي على ثلاث مسارات مختلفة : مسار التعليم المسجدي التقليدي الذي يظل يجري بداخل المساجد الصينية ، ومسار المدارس الحديثة التي يرعاها التربويون المسلمون المحدثون ، ومسار معاهد العلوم الاسلامية التي تتبع مختلف الجمعيات الاسلامية فى الصين . ولا ريب فى أن التعليم المسجدي الصيني قد ساهم فى الماضي ،وسوف يساهم فى الحاضر والمستقبل فى نشر الثقافة الاسلامية فى الصين باستمرار.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 254
تاريخ التسجيل : 22/02/2011
العمر : 40
الموقع : الصين

https://china.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى